كتاب وروائيون: الإبداع يتطلب شجاعة ومرونة والتواصل الاجتماعي “رقيب” العصر الحديث

خلال فعاليات “الشارقة الدولي للكتاب 2024″

الشارقة، 07 نوفمبر، 2024

كيف يمكن للكاتب أن يخلق لنفسه مساحات حرة للتعبير عن أفكاره؟ وكيف يمكنه أن يبتكر الحلول التي يقوى بها على كسر الحصار الفكري إذا ما وجد وفرض عليه؟” هذه التساؤلات الثقافية تناولها عدد من الأدباء في جلسة حوارية شهدتها فعاليات الدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب في مركز إكسبو الشارقة من 6-17 نوفمبر الجاري، تحت شعار “هكذا نبدأ”، واستضافت الروائيين إبراهيم عبد المجيد، وعلي بدر، وخافيير سيركاس، وعبدالإله بنعرفة، وإيمان اليوسف، وأدارتها الدكتورة مانيا سويد.

وأكد المتحدثون دور الكتابة كأداة أزلية للحرية والتعبير، وتحدثوا عن تأثير الرمزية في الكتابة، وظهور الرقابة المجتمعية كقيود على الإبداع، كما أشاروا إلى وسائل التواصل الاجتماعي كمساحات للحرية الكتابية، وكذلك القضايا الاقتصادية التي قد تفرض نفسها على حرية الكاتب منذ عصر الشعراء الذين تكسّبوا من آدابهم، مشددين على أن الإبداع يتطلب شجاعة ومرونة في مواجهة مختلف أنواع القيود والتحديات.

الأدب الملتزم واستقلال الكتابة 

وفي حديثه حول موضوع الجلسة، أكد الكاتب عبد الإله بنعرفة أن تجربته في الكتابة تأثرت بشخصيات تراثية مثل الغزالي ولسان الدين بن الخطيب، حيث تجلت معاني حرية التعبير في مسارات مختلفة من حياتهما. وأشار بنعرفة إلى أن مفهوم “الأدب الملتزم” برز في بداية القرن العشرين، عندما استقل الأدب عن المؤسسات السياسية والدينية، مما أدى إلى ظهور “المثقف” كنموذج للالتزام تجاه القضايا المجتمعية.

وأضاف بنعرفة أن الأدب شهد تحولات كبيرة بعد الثورة البلشفية حيث تعمق مفهوم “الأدب الملتزم” الذي يهدف إلى انتصار القضايا بشكل فوري ودون انتظار. لكنه لفت إلى أن هذا النوع من الأدب قيد الكاتب بأطروحات سياسية أو اجتماعية، مما قلل من حضوره الإبداعي. وشدد على ضرورة تطوير أساليب لممارسة الحرية الإبداعية في عصر تهيمن فيه وسائل التواصل الاجتماعي على النقاشات العامة، مؤكداً أن التحدي الآن لا يتمثل في الرقابة الرسمية على الإبداع الكاتب، بل في الحاجة إلى سلطة تنظم الفوضى الإعلامية المتزايدة.

وسائل التواصل كمصدر إلهام

وفي إطار نقاشه حول تحديات الإبداع في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، أوضح الكاتب إبراهيم عبد المجيد أن هذه المنصات تفرض نفسها بشكل لا يخضع لقوانين واضحة، مشيراً إلى أن البعض يجد فيها وسيلة للتعبير نظراً للقيود التي تمنعهم من النشر عبر القنوات التقليدية. وأكد عبد المجيد أن وسائل التواصل الاجتماعي تسهم في إلهام الكاتب من خلال أفكار عفوية وحكم تخرج من الناس دون قصد، مستشهداً بعبارة من فتاة صغيرة “هناك أشخاص نفسي أرميهم في السنة التي مضت”، والتي ألهمته رواية كاملة.

وتناول عبد المجيد أيضاً موضوع الجوائز الأدبية، مشيراً إلى أنه رغم حصوله على العديد منها، إلا أنه لم يتقدم لأي جائزة بنفسه؛ إذ كانت المبادرات من جهات ثقافية أو دور نشر. واعتبر أن الكتابة لأجل الجوائز تفقد قيمتها على المدى الطويل، مؤكداً أن حرية الكاتب تكمن في الكتابة بحرية ودون انتظار المكافآت. وأوضح أن كتابة الرواية قائمة على متعة الكتابة والصدق الفني، وليست بهدف الربح، كما شدد على أهمية استخدام الترميز عوضاً عن التصريح بأسماء شخصيات حقيقية، مما يعزز ذكاء الراوي ويحمي خصوصية الآخرين.

الكتابة حرية أزلية منذ عصر الكهوف

من جهتها، أكدت الكاتبة إيمان اليوسف أن الكتابة كانت دوماً وسيلة للتعبير عن الرغبة في التحرر، سواء كان تحرراً ذاتياً داخلياً أو خارجياً مما يمر به الكاتب. وأشارت اليوسف إلى أن الكتابة بدأت منذ عصور قديمة، عندما أراد الإنسان أن يترك أثراً على جدران الكهوف ليعبر عن رغباته وأفكاره بحرية. لافتة إلى أن العديد من النساء في التاريخ اخترن الكتابة بأسماء مستعارة، في دلالة على سعي الإنسان المستمر نحو الحرية، حتى إن اضطر إلى إخفاء هويته.

وأوضحت اليوسف أن الأدب العربي والعالمي مليء بالأمثلة التي تعكس هذا التوق للحرية، مثل قصص “ألف ليلة وليلة”، والأشعار العربية الواسعة الانتشار، التي يستخدم فيها الشعراء أسماء مستعارة للتعبير عن الحبيبة دون الكشف عن هويتها. وأشارت إلى أن هذا الالتفاف حول الهوية الحقيقية قاد إلى نشوء الرمزية في الأدب، حيث يستخدم الكاتب والشاعر أساليب متنوعة للتعبير عن أفكار عميقة بطرق غير مباشرة، مما يضفي بعدًا خفيًا على الإبداع الأدبي.

الكتابة تستحق الكفاح

بدوره، تحدث الكاتب خافيير سيركاس عن التحديات الاقتصادية التي يواجهها الكاتب في الحفاظ على استقلالية الكتابة، مشدداً على أهمية الوقت والالتزام المطلوبين لكتابة الرواية التي قد تستغرق سنوات من العمل الجاد. وأوضح أنه يعمل أكاديمياً في الجامعة ويعتبر نفسه محظوظاً لأنه يستطيع كسب العيش من كتبه، وهو أمر نادر في بلده، حيث قليل من الكتاب الإسبان يحققون دخلاً كافياً من الكتابة. وأكد سيركاس أهمية أن يكتب الكاتب ما يشعر بضرورة كتابته، وأن يكون مستعداً للكفاح من أجل ذلك.

وأكد سيركاس أنه لم يواجه مشكلات رقابية طوال حياته، فقد كان قادراً على كتابة ما يريد في رواياته ومقالاته، وأوضح أن الرواية تظل قصة خيالية، ويملك الكاتب فيها الحرية الكاملة لتحديد قواعدها وتفاصيلها، ليخلق عوالمه الخاصة وفق رؤيته الحرة المطلقة.

“استبداد العامة” الإغريقية تتجلى اليوم

وفي حديثه عن تحديات الإبداع، أشار الكاتب علي بدر إلى أن القمع في العصر الحديث ينبع من التشكيلات الاجتماعية، حيث أصبحت الجماهير هي القوة التي تحد من حرية الكاتب وإبداعه. وأوضح أن هذا النمط من القمع الاجتماعي يشبه “استبداد العامة” الذي نشأ في الثقافة الإغريقية، وهو ما يواجهه الكتاب اليوم. ومع تراجع وسائل النشر التقليدية، أكد بدر أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت سلاحاً ذا حدين؛ فهي تتيح النشر وفي الوقت ذاته تشكل مصدراً للرأي وللقمع والرقابة والتهديد، مما يعكس واقعاً جديداً على الكاتب التعامل معه.

وأكد بدر أن دور المثقفين وعلماء الاجتماع يكمن في البحث عن آليات لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي لضمان حرية التعبير دون أن يقع المثقف أسيراً لآراء الجمهور. ولفت إلى أن كيفية تعامل الكاتب مع النقد المجتمعي تتوقف عليه شخصياً، حيث إن وظيفة المثقف قائمة على النقد والمطالبة بالتغيير. وأضاف أن بعض الكتاب دفعوا حياتهم ثمناً لحريتهم الأدبية، بينما استفاد آخرون منها.

LEAVE A REPLY